بنت الملك والبطال

في صبيحة من أيام الصيف المحرقة شمسه, الذابلة أوراق أشجاره , كنت أمشي متجنبا لهيب أشعة أخت يوشع , على عيني نظارة شمسية , مرتديا بذلة رياضية أسود لونها وقميصا أبيضا

تصدرته عبارة [ فلسطين لها حق المقاومة ] ولا أخفي أن لباسي على هذا المظهر لم أكن من عشاقه , سيما الأقمصة التي عليها كتابات مهما كان معناها أو مغزاها , الا أني هذه المرة فعلت توقفت سيارة بمحاذاتي بل قل كادت تدهسني , فاستنفرت قواي الكلامية وما فيها من سلاح فتاك , دون أن أدقق النظر في سائقها وهذا كردة فعل اعتقدتها طبيعية .

فتح الباب وصوت من بداخلها : هيا تفضل يا سي.... ,دلفت في جوفها المبطن المكتنز , بعد ما أوقعت نفسي في سرعة الرد حيث القائد صاحبي وقريني , استحيت حقا وحاولت أن أعتذر , لاحظ صاحبي عني ذلك وسبقني بالقول: لا عليك حتى وإن زدت عنه ...

سأحكي لك قصة أرى أنها من الأهمية بمكان

قلت : خيرا إن شاء الله

استمر في السياقة إلى حين توقفنا أمام مقهى خارج المدينة حيث الهدوء ونوعا من البرودة تحت ظل الأشجار , نزل كلانا , اتخذنا مكانا قصيا , أحضر لنا النادل الطلب .

قال لي صاحبي قبل أن أقص عليك مأساتي اسمع مني هذه الحكاية ؟ في قديم الزمن كان لأحد الملوك بنتا أوتيت من البهاء والكمال والقد والجمال وبسطة في الجسم وحكمة في العقل , ما ميزها عن باقي بنات المملكة وما جاورها , وقد تقدم لخطبتها ملوك وأبناء ملوك وأمراء , وذوي الجاه والمال , لكنها في كل مرة تعتذر وترفضهم كلهم بحجة أنها اشترطت مهرها المتمثل في أن يكون من ترضى به يحسن قطع اللحم عند المفصل

وكذلك هم فعلوا لكن مساعيهم خابت بالفشل ولم يفلحوا أبدا .

وذات مرة – وبعد ما يئس والدها الملك والذي كان يحبها حبا جما وحق له لأنها وحيدته

قال لها: يا بنيتي ..يا أميرتي ..ويا قرة عيني لم يبق في أرجاء المملكة أحد , وأن طلبك هذا عجيب وغريب

ردت عليه بكل أدب وسلاسة الحديث فقالت : ليس طلبي – يا أبتي بغريب ولا عجيب كما قلت إني لا أنويالإرتباط بشخص يعيش من كبد غيره أو يسترزق من السراب كما هو حال معظم الشباب اليوم , أيضا من الشابات كذلك حيث تملكهن نصيب ليس بيسير من الغرور سواء تعلق الأمر بوضعهن الإجتماعيةأوالمادي أو ما شابه ذلك , كما أن الزواج مسؤولية وأمانة وإني لأرى التهاون والإخلال بهذا الرباط المقدس متفشية مظاهره يكسوه حصاد الألسن وما تفرزه أمعاء المفسدين .

قال الوالد الملك: ما علاقة هذا بهذا؟

قالت ألتمس منك وللمرة الأخيرة أن تبحث وتشد , لعل مستترا لم يظهر بعد.

وفعل الوالد ما طلبت قرة عينه , وأخيرا تم العثور على شخص هزيل البدن شاحب الوجه

صفر اليدين ....أخذ إلى ديوان الملك , أشربه الملك الطلب وقال له هل أنت بقادر ؟ أجاب ذاك الشخص بنعم , وطلب من الملك ثلاث أواني وخروفا ... ذبح ..سلخ... وضع من الذبيحة شيئين في كل إناء ثم قال للملك خذ هذا مولاي لإبنتك .

لما رأت ابنة الملك ذاك الصنع تهلل وجهها وأشرق ..سر قلبها .. كادت أن تزغرد من شدة الفرح. تأملها والدها مليا وكيف تغيرت في لحظة فغمرته هو أيضا السعادة وسعد , تقدم منها وقال

يا بنيتي أخبرك لكي لا تتفا جين فيما بعد: إن الشخص هذا ليس من أمثالنا ولا أقرب .

قالت : دعن أوضح لك أمرا أولا

*- هذا رجل يعيش ويقتات من عرق جبينه , انظر إلى هذا الإناء وضع فيه الساعد والرئة

وهذا معناه أنه صاحب يد عاملة , أما الإناء الثاني فقد وضع فيه الكبد والعين معا , وهذا معناه أنه رجل حنون عطوف , وقد قيل في الأمثال [ عندما يتحرك الكبد تدمع العين] أما الإناء الثالث فقد وضع فيه القلب مع الرجلين , وهذا معناه رجل ملتزم غير متهور حيث ما مالت الريح يميل بل عكس الكثير من الأزواج الذين يخوضون ويسبحون مع زوجاتهم في الأسواق وتختلط أرجل ذكورهم بإناثهم , وهذا الصنع يطابق المثل القائل[ لا تمشي الرجل الا أين يهب الخاطر]

كان الملك يتابع ما تجود به ابنته بتمعن ودقة , وبعد ذلك قال لها: صدقت يا حكيمة المملكة وهنيئا لك بهذا العريس البطال .

قالت : القناعة والرضا بقدر الله نعمة لا تزول .

ابراهيم تايحي